“فعلها الداهية، فعلها الداهية!”
كانت هذه أُولى كلماتي بعد إنتهاء مؤتمر فيسبوك الآخير. مارك زوكربيرج رأي المستقبل، ليس مستقبل شركته فقط، بل مستقبل والتطور الطبيعي للحضارة البشرية. قد يبدو كلامي مبالغًا فيه، ولكن نعلم أن الواقع الافتراضي هو مستقبل صناعة الألعاب، وأن الواقع المعزز هو مستقبل التعليم، وأن العمل عبر الإنترنت دون الحاجة إلى مكتب… أصبح واقعًا فعلًا! وللمتأمل، يجمع كل ما ذكرناه من أشكال محاكاة الواقع إفتراضيًا بأي وسيلة. وأن جمع كل ما ذكرناه في مكانٍ واحد، معتمدًا على شبكة واحدة مركزية يعني واقعًا بديلًا عن واقعنا الإفتراضي، ولربما أفضل منه لدرجةٍ تجعلنا نتخلى عن الواقع نفسه، لربما سنعيش جميعًا في الماتريكس!
ولكن ما هو الواقع؟ وما الإدراك؟ ما معنى أن “تكون” من الأساس!؟
أعتذر لكل تلك الأسئلة الوجودية، سأترك لك الإجابة عنها فيما بعد، ولكن حياتنا اليوم أثبتت أن الواقعية ليست ضرورةً للسيطرة على الفكر والإدراك والحواس. كم مرة إنغمست في مشاهدة الأفلام؟ كم مرة أغلقت عينيك مع أغنية لتعبث بمشاعرك؟ كم مرة تعالت ضربات قلبك وجف حلقك من التوتر بسبب الألعاب الإلكترونية، والتنافسية منها خصوصًا. وكم مرة كما أوتار الجيتار قد شُدت أعصابك في نهاية مباراةٍ لفريقك المفضل رغم انها صور متحركة على تلفاز، رباه ما زلت أتذكر شعور العاشرة مع ريال مدريد للآن! التصديق بأننا قد نستطيع العيش في ما غير الواقع الحالي صعب، ولكن إمكانية هذا تثبتها أنت شخصيًا كل يوم! وإن نظرت للحواس على أنها ما يصنع الإدراك، وأن الإدراك هو ما يصنع الواقع، فخداع تلك الحواس قد يصنع واقعًا مختلفًا تمامًا.
“فعلها الداهية، فعلها الداهية!”
التكنولوجيا أثبتت كفاءتها فعلًا في صناعة الإدراك، مرئيًا وصوتيًا، وربمًا في المستقبل حسيًا كذلك. وفي مرحلةٍ ما ستستطيع التقنية صناعة الواقع الافتراضي. وفي الدنيا الافتراضية، من يمتلك التقنية، إدارتها وتطويرها، هو الملك، بل الآمر الناهي والمتحكم بها في فرقعة أصبع. والداهية مارك زوكربيرج يحلم بذلك، ولديه من الموارد ما يكفي فعلًا، من المهندسين سيرفض العمل في شركة هي من الأكبر؟ وأما عن المال فهو سابع أغنى شخص في العالم! ومن المثير للدهشة ما استعرضته فيسبوك من تطور لتقنياتها التي عملت عليها لسنواتٍ عدة من قبل، الميتافيرس ليس وليد اللحظة بل نتاج سنوات من العمل والتطوير في مجالات البرمجيات والعتاد على حدٍ سواء، في وقتٍ وصل فيسبوك فيه لأول مليار مستخدم، كان زوكربيرج يطمح في الـ6 الباقين من تعداد البشرية.
المؤتمر ذاته استعرضت فيه فيسبوك النظام المتكامل للميتافيرس – أو عالمها الموازي- بدءً من منزلك وغرفتك التي تخصصها كما تشاء، وتعلق فيها من الزينة ما امتلكته من ممتلكات رقمية سواءً كانت NFT او غيرها، مرورًا بالتجمعات العائلية، التعليم، الترفيه والألعاب وآخيرًا بيئات العمل، التي حقيقةً أتمنى تواجدها اليوم قبل الغد على الرغْم مقتي للفكرة. استعرضت فيسبوك، أو بمسماها الجديد “ميتا” عالمًا موازيًا بالكامل لعالمنا، بطريقةً محكمة تضمن اعتمادك الكلي على ذلك العالم في شتى مجالات حياتك. المغرَيات كثيرة، والجميع سيقع ضعيفًا امام مقاومة التسهيلات التي ستقدمها التقنية، وبمجرد دخولك النظام، لن تستطيع الخروج منه، لأن قد لا يكون لك حياةً خارجه من الأساس.
أصبحت فيسبوك “ميتا” لأنها أكبر من شركة تواصل إجتماعي الآن، هي شركة تطمح لمستوى ما رأيناه في افلام الخيال العلمي ومسلسلاته، كأحد حلَقات بلاك ميرور وغيرها. تخيل أن تحظر من الواقع 30 يومًا مثل حظر فيسبوك الحالي، وتخيل أن تطردك فيسبوك خارجه من الأساس، وقد ذكر مارك نفسه أن الميتافيرس سيحتاج حكومة وقيادة من نوعٍ ما. قد أكون أبالغ، وأتمنى ذلك، قد يصبح الميتافيرس يوتوبيا ديموقراطية لا تحكمه جهة معينة، أو ديستوبيا يحكمها مجنون ولا خِيار غيرها أمامك سوى الموت. المستقبل مجهول، ولا أتمنى أن يكون ميتافيرس بأي من الأشكال!